كيف أصبح كل أفراد الشعب النرويجي مليونيرات؟
الشعب النرويجي مليونيرات
“الجميع في النرويج أصبح الآن مليونيرا” هكذ تصدر الخبر عناوين الصحف العالمية في يناير من العام 2014، وهذا بعدما وصلت قيمة صندوق الثروة السيادية في النرويج إلى 5.11 تريليون كرونة، أي ما يزيد عن عدد السكان وقتها بحوالي مليون ضعف.
كيف أصبح كل أفراد الشعب النرويجي مليونيرات؟
ضبط البوصلة من البداية
عام 1990 وافق أعضاء البرلمان النرويجي بالإجماع على قانون صندوق البترول الحكومي الذي يخصص لإدارة إيرادات النرويج من النفط والغاز بعيدا عن ميزانية الدولة. أدى هذا القانون إلى إنشاء صندوق الثروة السيادي النرويجي الذي حمل في البداية اسم Petroleum Fund of Norway، أي صندوق النفط النرويجي الذي غير اسمه لاحقا، ليصبح صندوق التقاعد الحكومي العالمي.
ووفقا لقانون التأسيس، تولت وزارة المالية النرويجية مهمة الإشراف على هذا الصندوق، أما إدارته فقد قسمت إلى ثلاثة أقسام وهي
- السياسات العامة
- الإدارة التشغيلية
- المراقبة.
ساهم ذلك في توزيع الاختصاصات وإدارة الصندوق بطرق احترافية بعيدا عن رجال الحكومة والسياسيين.
الادارة
بعد إنشاء صندوق الثروة السيادية، تولت وزارة المالية النرويجية مهمة وضع السياسات العامة له، بالإضافة إلى وضع استراتيجية استثمارية مناسبة. كما أنها أسندت مهام الإدارة التشغيلية للصندوق إلى مسؤولي البنك المركزي النرويجي المستقلين لضمان بقاء الصندوق بعيدا عن رجال الحكومة والسياسيين. ومن أجل تطبيق نظام رقابة صارم، تم إلزام البنك المركزي النرويجي بتقديم تقرير سنوي يوضح فيه الكيفية التي يدار بها الصندوق، بالإضافة إلى أسماء الشركات التي يستثمر فيها وأسباب الاستثمار، علاوة على تقديم معلومات تخص عملية انتخاب المدراء الخارجيين.
ومع تنوع الجهات المراقبة للصندوق سواء من الجهات الداخلية أو الخارجية، استطاع صندوق الثروة السيادي النرويجي أن يحصد العلامة الكاملة في Linaburg-Maduell Transparency Index.
شاهد أيضًا:قائمة أغني 10 دول في العالم 2022
اعتمدت النرويج على مصدرين أساسيين لتشغيل الصندوق الأول هو الإيرادات التي تجنيها الحكومة من النفط والغاز، حيث تعد النرويج المورد الأول للغاز في أوروبا ومن أهم منتجي النفط الخام على مستوى العالم.
أما المصدر الثاني فهو الأرباح الرأسمالية المتمثلة في عوائد استثمار أموال الصندوق. وقد نجحت النرويج في تطوير هذه الاستراتيجية الاستثمارية بشكل مثير للدهشة، فبعد أن اعتمدت على شراء السندات الحكومية التي تحقق عوائد مالية شبه مضمونة ولكنها منخفضة ولا تتجاوز 2%، اتجهت عام 1998 إلى خوض مغامرة رابحة عبر الاستثمار في سوق الأسهم بـ 40% من أصول الصندوق السيادي. وفي سبيل تنويع استثمارات الصندوق تم توسيع المجالات التي يتم الاستثمار فيها لتشمل الأسواق الناشئة وسندات الشركات بالإضافة إلى العقارات ومشاريع البنية التحتية.
الاستثمار بذكاء
تسبب التنوع الاستثماري الذي اعتمد عليه الصندوق في تحقيق عائدات استثمارية مرتفعة جدا، جعلت من صندوق الثروة السيادي النرويجي أكبر صندوق ثروة سيادي في العالم بقيمة أصول تجاوزت 12 تريليون كرونة نرويجية. كما أن الصندوق بات يمتلك 1.3% من قيمة أسواق الأسهم العالمية عبر استثماره في أكثر من 9 آلاف شركة حول العالم، ما جعله يحقق أرباحا بنسبة 14.5% عام 2021، حيث وصلت هذه الأرباح إلى حوالي 176 مليار دولار في تفوق واضح على المؤشر القياسي للصندوق.
ختاما.
منذ اكتشافها للنفط في بحر الشمال في ستينيات القرن الماضي، اعتمدت النرويج على سياسات محوكمة ومتطورة ساعدتها في تحقيق أقصى استفادة ممكنة من عائدات الموارد الطبيعية ودعمت اقتصادها حتى بات قادرا على تجاوز الأزمات العالمية الكبرى. كما أنها حولت المواطنين في النرويج نظريا إلى مليونيرات من خلال الميزانية الهائلة التي يمتلكها صندوق الثروة السيادي، لتكون النرويج بذلك البلد الأنجح حول العالم في استغلال وإدارة الموارد الطبيعية، بالإضافة إلى حفظ حقوق الأجيال القادمة.