التاريخ اﻹسلامي

بالتفصيل معركة القرضابية الحاسمة

تعد معركة القرضابية واحدة من أهم المعارك الحاسمة في تاريخ الجهاد الليبي ضد الاستعمار الإيطالي، وقد اكتسبت شهرتها الكبيرة لكونها رمز للوحدة الوطنية،

حيث شهدت مشاركة أبناء ليبيا من مختلف المناطق والقبائل وهذه المعركة لم تكن مجرد حدث عسكري بل كانت نقطة تحول هامة في الصراع الليبي الإيطالي، إذ شكلت بداية انهيار النفوذ الإيطالي في البلاد.

معركة القرضابية

بعد انتهاء معركة القرضابية، بدأت القوات الإيطالية تتراجع بشكل ملحوظ، حيث سقطت الحاميات العسكرية التابعة لهم واحدة تلو الأخرى في مختلف المدن الليبية

وبحلول منتصف شهر أغسطس من نفس العام الذي دارت فيه أحداث المعركة، لم يبقي للإيطاليين سوى سيطرتهم على مدينتي طرابلس والخمس، بعد أن فقدوا قدرتهم على الاحتفاظ بالمناطق الأخرى.

وتعتبر معركة القرضابية بمثابة بداية النهاية للوجود الاستعماري الإيطالي في ليبيا، وقد ألهمت حركات التحرر الوطني وأبرزت أهمية التضامن الوطني في مواجهة الغزاة والمستعمرين.

مقدمات معركة القرضابية وتحالفات الجنرال إمياني

بعد أن تمكنت الحكومة الإيطالية من بسط نفوذها على منطقة طرابلس والجهة الغربية من ليبيا، بدأت القوة الإيطالية تحركاتها من الغرب، مدعومة بمجموعة من المحلات الليبية التي اعتبرت لاحقا مجاهدين.

وكان الهدف الإيطالي هو توحيد طرابلس الغرب مع برقة، مما تطلب منها إزالة معسكرات المجاهدين التي كانت متمركزة في مناطق النوفلية ودور أولاد سليمان ودور المغاربة وجنوب سرت.

بناء على هذا التوجه، قرر الجنرال إمياني، بعد التشاور مع حكومته وقيادته داخل روما، أن يستعيد فزان بأي ثمن ويحقق ربط مباشر بين برقة وطرابلس ولتحقيق هذا الهدف، استعان بمجموعة من الزعامات الوطنية التي استمالتها إيطاليا بوسائل متعددة، بما في ذلك المال.

قام الإيطاليون بترتيب جيشين لتنفيذ هذه الخطة الأول كان يتجه من طرابلس عبر غريان ومزدة، وكان مكون من حوالي أربعة عشر ألف جندي، مزودين بالمدافع والرشاشات التي كانت تحت إشراف الطليان.

تضمن هذا الجيش أيضا عدد من القبائل الليبية التي قادها عدد من الزعماء المحليين، مثل رمضان السويحلي الذي قاد مصراتة والساعدي بن سلطان الذي قاد قبيلة ترهونة

ومحمد القاضي الذي قاد مسلاتة ومحمود عزيز الذي قاد زليتن ومحمد بن مسعود الذي قاد قماطة، وعبد النبي بلخير الذي قاد بني وليد وعمر العوراني الذي قاد الساحل وعلي صهيب الذي قاد زاوية وقبيلة البلاعزة.

كل واحد ضمن هذه الأسماء كان قائد على جماعة قبيلته، وقد اتفقوا على أن يتم تجميع الجيش بأكمله تحت قيادة بن عيزار وكان الجنرال إمياني هو القائد الأعلى لهذا الجيش، الذي جمع بين القوى الإيطالية والمحلية لتحقيق الأهداف الاستراتيجية للمشروع الاستعماري.

أساب معركة القرضابية الاستراتيجية والخداع في معركة سرت

في 29 أبريل 1915، وصل جيش الجنرال إمياني، الذي ضم قوات ليبية متحالفة معه بقيادة عبد النبي بلخير ورمضان السويحلي، إلى مدينة سرت وكان هذا الجيش مدعوم بالإرتريين والمرتزقة الأحباش إضافة إلى الجنود النظاميين من إيطاليا.

وفي نفس اليوم، بدأ الجيش الإيطالي زحفه نحو المجاهدين الذين كانوا قد تجمعوا في جنوب سرت قرب قصر أبو هادي ثم واجه الهجوم الإيطالي هجوم اخر مضاد شرس من المجاهدين، الذين كانوا تحت قيادة صفي الدين السنوسي وهو القائد العام لقوات المجاهدين.

وفي المعركة، قاد دور المغاربة حمد بن سيف النصر وصالح الأطيوش، بينما قاد دور أولاد سليمان مجاهدون آخرون وأسفرت المواجهة عن هزيمة وتراجع الجيش الإيطالي وانتصار المجاهدين.

ومن الجدير بالذكر أن قائد قوات ورفلة عبد النبي بلخير، كان قد اتفق مع رمضان السويحلي على خطة خادعة ضد القوات الإيطالية وهذا التواطؤ يظهر بوضوح في ما كتبه الجنرال جرازياني في كتابه الخاص نحو فزان.

وكانت الخطة تقضي بانسحاب عبد النبي بلخير من المعركة في بئر بن عيزار، حيث خدع إمياني ليقنعه بأن المجاهدين سيهاجمون الحامية الإيطالية بقيادة قسطنطين بريجنيتي عند بني وليد، وأنهم سيقومون باحتلال المدينة بينما ينشغل إمياني بمعركة القرضابية.

واستغل بلخير هذا التكتيك ليضمن لنفسه وللمجاهدين ملاذ آمن سواء في حال النصر أو الهزيمة، حيث كان ينوي الاستيلاء على مدينة بني وليد بينما كان إمياني يواجه المجاهدين في معركة القرضابية.

الهجوم الإيطالي في معركة القرضابية

في صباح يوم الخميس، 15 من جمادى الآخرة عام 1333، الذي يوافق 29 أبريل 1915 م، صدرت الأوامر الإيطالية بشن الهجوم ولم يمض وقت طويل حتى التقت طلائع القوات الإيطالية بالمجاهدين،

حيث بدأت المعركة بنيران كثيفة غطت المنطقة من كل جهة وقد أسفرت المواجهة الأولى عن استشهاد حوالي 400 من المجاهدين، مما زاد من حدة القتال وأثار الفرحة في عيني الجنرال إمياني، الذي كان يرى في هذا الهجوم انتصار له.

ورغم شدة الهجوم، فإن قوات رمضان السويحلي لم تشارك في المعركة فورا وعندما استفسر إمياني عن سبب غيابهم، أبلغه رمضان أن قواته تنتظر قدومه وبعد أن أعطى إمياني الإذن، توجه رمضان إلى قواته.

وفي تلك اللحظات، قام أحمد سيف النصر بشن هجوم على ميمنة الجيش الإيطالي، مما أجبرهم على التوقف مؤقتا.

كذلك، شن الشيخ حمد بن سيف النصر هجوم على قلب الجيوش الإيطالية برفقة المجاهد الطبولى الورفلى والمجاهد رمضان بن سالم دخيل قائد قبيلة القذاذفة وقد تمكنوا من انتزاع سارية علم الجيش الإيطالي، لكن الشيخ حمد أصيب في قدمه خلال هذه المواجهة.

في تلك اللحظة، تصادف وصول رمضان السويحلي مع إغارة أحمد سيف النصر، فقام بإصدار أمر بإطلاق النار على القوات الإيطالية من الخلف.

وهذه الخطوة كانت بداية النهاية بالنسبة للجيش الإيطالي، الذي أصبح محاصر ومرتبك فاندلعت الفوضى داخل صفوفه، حيث اختلطت خيولهم برجالهم، وبدأت القوات في الفرار، دون جدوى.

ومع اشتداد الضغوط على العدو تحقق النصر للمجاهدين، وتمزق الجيش الإيطالي بشكل كبير، ولم ينجو سوى 500 جندي،

بينما نجا الكولونيل إمياني إلى مدينة سرت مصاب مع من تبقى من جيشه وخلفت المعركة خلفها الكثير من معدات الحرب، بما في ذلك الإبل والخيل والبنادق والمدافع والرشاشات، والتي بقيت في موقع المعركة.

وبحلول الظهر، كانت قوات الإيطاليين المتبقية قد تفرقت بشكل كامل، وتوجهت إلى مدينة سرت وهناك، شهدت المدينة مذابح انتقامية دامية ظلت مستمرة لثلاثة أيام، حيث ارتكبت القوات الإيطالية أفعال مروعة في المدينة.

إجراءات الانتقام بعد معركة القرضابية

عند وصول الجنرال إمياني إلى مدينة سرت بعد المعركة، اتخذ سلسلة من الإجراءات القاسية ضد سكان المدينة واللاجئين إليها وبدأ إمياني بتجريد جميع الليبيين من أسلحتهم، ثم عقد مجلس عسكري اتخذ فيه قرارات صارمة تشمل تنفيذ حكم الإعدام بحق العديد من الأعيان والرؤساء المحليين،

من بينهم الحاج محمد بن مسعود من قماطة والحاج محمد القاضي من مسلاتة، وأبو بكر النعاس وحسونة بن سلطان وأحمد بن عبد الرحمن من ترهونة.

وإضافة إلى هؤلاء، تم قتل عدد يصل نحو سبعمائة شخص من سكان المدينة، وتفشى التهديد بالقتل بين القبائل، خاصة قبيلة أولاد سليمان وقد أصدر إمياني أمر بالقتل العام وشن حملة ملاحقة وقتل واسعة النطاق،

حيث كانت القوات الإيطالية تقتل الناس في الشوارع وعلى أبواب البيوت، وتربط عشرة أو عشرين شخص في حبل واحد ثم تقوم بإعدامهم جماعي وقد اضطر العديد من الأشخاص إلى إلقاء أنفسهم في البحر هرب من هذه المجازر، مما شكل مشهد مروع من الفوضى والموت.

وفيما يتعلق بالأسرى، تم إرسال نحو ألف أسير إلى روما، وكان أغلبهم من سكان المدينة والحمالين الذين كانوا قد استأجروا جمالهم لنقل البضائع وكانت هذه الإجراءات انتقامية بشكل كبير وهدفت إلى تثبيت السيطرة الإيطالية عبر إرهاب السكان المحليين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى