تعليمشخصيات تاريخية

من هو عبد الرحمن الداخل؟ وكيف أسس إمارة في الأندلس؟

كان عبد الرحمن الداخل من الأمويين الذين فروا من بطش العباسيين، وقرر أن يذهب إلى الأندلس ليبدأ في تأسيس دولته، فراسل كل الأمويين ومحبي الدولة الأموية في كل مكان يعرض عليهم فكرته، وبدأ يستعد لدخول الأندلس، ولقد واجهت عبد الرحمن الداخل صعوبات في تأسيس دولته كأي دولة ناشئة، فتعرضت الدولة الأموية في الأندلس في عهد عبد الرحمن الداخل لعدد كبير منالثورات، تزيد على خمس وعشرين ثورة تغلّب عليها جميعه.

ولد عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك في ضواحي دمشق، وتوفي والده، وهو ما يزال صغيرا ليتركه وحيدا وإخوته مع أمه المنحدرة من أصول أمازيغية، فتولى تربيتهم جده الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك، عايش عهد سقوط دولته وهزيمة قومه في معركة الزاب، تزامنا مع سيطرة العباسيين على مقر خلافة الدولة الأموية، وتعقبه من الأمويين حتى أفنوا عددا كبيرا منهم، وتفرق من كتبت له النجاة في بلاد مختلفة.

لكن قصة هرب عبد الرحمن من الشام والنجاة بنفسه استأثرت بكل الاهتمام وتحولت إلى ملحمة أسهبت المصادر العربية والأجنبية في إبراز تفاصيلها.

مسار الرحلة بدأ من لجوئه مع أهل بيته إلى قرية على نهر الفرات حاصرهم العباسيون، فحاولوا عبور النهر، لكن أخاه الأصغر عجز عن مغالبة التيار وقتل. وصل عبد الرحمن سالما إلى الضفة الأخرى للفرات، وبعد أن اختبأ مدة في قنسرين، توجه نحو فلسطين ومنها إلى مصر، ثم استكمل رحلته مع مولاه بدر وخادم آخر فاتجهوا غربا للفرار من القتل. أقاموا فترة في ولاية إفريقية، لكنه وجد الخطر يتهدده من جديد. العباسيون وجنده من جهة وأمير القيروان الذي كان يخشى منافسة الأمويين من جهة أخرى، أصبح الهرب قدرا يلاحق عبد الرحمن فغادر مجددا نحو أقصى المغرب حتى وصل إلى قبيلة أمه نفيسة بعد ما لاقاه في تلك الرحلة بدأ ينظر ناحية الأندلس ليرصد أخبارها.

كانت الأندلس شكليا تحت حكم يوسف الفهري، أما السيطرة الفعلية فكانت الصميل ابن حاتم، كانت البلاد قد وقعت في أوج الاضطراب في نهاية ما سمي بعصر الأولى صراعات على النفوذ والزعامة بين العرب اليمنية والقاسية وصراعات مع المكونات الأخرى.

بين كل ذلك وجد عبد الرحمن فرصة سانحة لتحقيق حلمه بتوحيد الأندلس تحت إمرته، أرسل مولاه لنقل المعلومات بدقة ولفتح قنوات التواصل مع عصبته الموالين لـ الأمويين واستمال العربة اليمنية، استغل أنصار عبد الرحمن بن معاوية نجاح الدعوة لهم فاستدعاه إلى الأندلس، ورأى هو أن الأمر مهيأ وأن عليهم انتهاز الفرصة دون إبطاء.

عبر المضيق ونزل على ساحل البيرة في جهاد المنكوب. اعتبر دخوله الأندلس بداية مرحلة جديدة في تاريخ المسلمين. استقبله الأعيان والأهالي بحفاوة، ثم انتقل إلى قرية طرش التي أضحت قاعدة له ومقر قيادة جيشه، ومنها قاد معاركه لتحقيق حلمه بتأسيس دولة أموية في هذه البلاد. وفي تلك الفترة قضي على الصميل ابن حاتم، كما كانت أيام يوسف الفهري آخر بلاد الأندلس قد ولد بعدما أتاه الرسل من قرطبة يعلمونه بخبر نزول عبد الرحمن بن معاوية في ساحل المركب، ولما انتشر الخبر بين جنده دب الخلل في صفوفهم فانتفض معظمهم عنه.

واستكمل الداخل مهمة القضاء على الاضطرابات وإخضاع مكونات الأندلس الأخرى، حتى دخل الأمير الأموي قرطبة فصلى بالناس وخطب فيهم، فكان ذلك بمثابة إعلان ميلاد الدولة الأموية في الأندلس وبيعة بالإمارة، وأطلق عليه اللقب الذي عرف به عبد الرحمن الداخل.

لم يكن وصول عبد الرحمن إلى الحكم هو ما جعله يبدو فذا، بل يرى المؤرخون أن الأهم هو حفاظه على الحكم وتوطيده حول خلفائه، فحكم قومه الأندلس نحو ثلاثة أضعاف عمر حكمهم في المشرق.

اتخذ عبد الرحمن قرطبة عاصمة دائمة للدولة، وحرص على جعل المدينة صورة من دمشق في منازلها البيضاء ذات الأبنية الداخلية المزينة بالأزهار والورود ونافورة المياه، كما جلب أشجار الفاكهة من الشام، وما تزال بعض أنواعها منتشرة في إسبانيا حتى الآن، وبنى قصرا، وأعاد ترميم جامع قرطبة بـ اقتباسات من المسجد الأموي في دمشق، ثم ركز على تنظيم الأمور الداخلية وسعى لتغيير مفهوم الحكم، إذ إن السلطة في الأندلس كانت قبلية وواجه بثبات محاولات العصيان شمالي البلاد للانفصال عن قرطبة، ومقاومة السلطة المركزية الأندلسية والقضاء عليها بالتواطؤ مع شارلمان ملك الفرنجة، سحق عبد الرحمن محاولات تقويض سلطته ومن ثم غير شارلمان نهجه في التعامل مع الأندلسيين، وآثر سياسة سلمية تجاههم، وهكذا ترسخت شخصية الداخل باعتباره قائدا غير تاريخ تلك المنطقة من أوروبا.

عدد شيخ المؤرخين الأندلسيين بن حيان القرطبي مناقب عبد الرحمن الداخل وملامح شخصيته وإنجازاته، كما أسهبت المراجع القديمة في وصف خصاله ورفعته إلى مكانة مميزة في طبقات الشخصيات العربية والإسلامية.

وقيل من أن خصمه جعفر من المنصورة هو من أطلق عليه لقب صقر قريش الذي عرف به حتى وفاته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى