الحياة والمجتمععادات وتقاليد

الكرم عند العرب … هل هي صفة خاصة بالعرب؟

الكرم عند العرب، منذ مئات السنين تفاخر شعراء العرب بالكرم وحثاً عليه على اعتبار أنه سمة خاصة بالثقافة العربية.

قال حاتم الطائي:

فلا الجود يفني المال قبل فنائه … ولا البخل في مال الشحيح يزيد
فلا تلتمس رزقا بعيش مقتر … لكل غد رزق يعود جديد

هذه الأبيات وغيرها الكثير.

هل بالفعل الكرم صفة خاصة بالعرب؟

لربما كانت طبيعة الحياة البدوية القاسية في شبه الجزيرة العربية والترحال الدائم من مكان إلى آخر بحثا عن موارد المياه والعشب، من الأسباب الرئيسية التي عززت العديد من القيم السامية عند العرب قديما، وقد كانت قيمة الكرم من أبرز القيم التي تفاخر بها منذ الأزل، فقد ساهمت طبيعة الحياة الاجتماعية في انتشار هذه القيمة على نطاق واسع، لا سيما مع حب الإنسان العربي للتفاخر والتباهي بصفاته الحميدة، كما لعبت النزاعات المستمرة بين القبائل دورا بارزا في تعزيز قيمة الكرم لما خلفته من فقر وشح في الطعام، ما شجع الـعرب على مشاركة مواردهم مع الملتزمين إليهم من كل حدب وصوب.

الكرم كقيمة اجتماعية.

لطالما اعتبر الكرم قيمة اجتماعية بارزة في تاريخ العرب، فقد مدحه الكريمة وبالغ في مدحه وذم البخيل ذما شديدا، ما شجع الكرماء منهم على بذل المزيد ودفع المترددين منهم على العطاء خوفا من الذم وساعيا لاكتساب مكانة اجتماعية، لا سيما مع ارتباط الكرم بصفات أخرى مهمة مثل المروءة والشهامة والرجولة، بالإضافة إلى حسن الخلق والمسؤولية الاجتماعية، على عكس البخل الذي اعتبر صفة مذمومة واقترن بالبضاعة والدناءة.

لهذا أصبح الكرم من أكثر القيم تداولا في قصائد الشعراء العرب، سواء في عصر ما قبل الإسلام أو ما بعده.

الكرم ليس عربيا فقط

على الرغم من ارتباط الـكرم بسيرة الـعرب منذ القدم، إلا أنه لم يقتصر عليهم فقط، فهناك العديد من المجتمعات الأخرى التي ارتبطت سيرتها بالكرم أيضا مثل أهل الجنوب في أمريكا المشهورين عالميا بالعطاء وإكرام الضيف. وعلى نطاق أوسع. ووفقا للإحصائيات، وصل حجم التبرعات الخيرية في أمريكا عام 2021 فقط إلى 485 مليار دولار، ولو دققنا النظر في كل المجتمعات المشهورة بالكرم لوجدنا أن هذا التشابه في التركيب الديمغرافي والاجتماعي، فأغلبها مجتمعات شبه منغلقة وتعدادها السكاني محدود مقارنة بغيره، بالإضافة إلى العديد من العوامل الأخرى، كالبيئة الجغرافية والتذبذب المالي والتدين.

فقد خلق ذلك كله أشكالا مختلفة من الكرم، لاسيما مع اختلاف البيئة والعادات والتقاليد من مجتمع لآخر، ففي الوقت الذي برز فيه العطاء المادي عند العرب برز عند غيرهم العمل التطوعي والعمل السياسي.

ختاما، شاع الكرم في المجتمع العربي منذ القدم لأسباب عديدة، وكان الوسيلة الأهم لتحصيل المنافع الدنيوية والمكانة الاجتماعية، وعلى الرغم من ربط الكثيرين لهذه القيمة الإنسانية بالعرب وخصائصهم بها، إلا أنها فعليا منتشرة عند العديد من المجتمعات الأخرى حول العالم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى