التاريخ اﻹسلامي

معركة أجنادين الحاسمة بالتفصيل

معركة أجنادين تعد إحدى المعارك الحاسمة في تاريخ الفتوحات الإسلامية المبكرة، وقد جرت في العام 634 م 13 هـ بين المسلمين تحت قيادة خالد بن الوليد، وجيش الإمبراطورية البيزنطية في بلاد الشام

وشكلت هذه المعركة منعطف حاسم في الصراع بين الطرفين، إذ مهدت الطريق للمسلمين للتوسع في بلاد الشام وإضعاف سيطرة البيزنطيين على المنطقة.

ووقعت معركة أجنادين في منطقة أجنادين، وهي غير بعيدة عن فلسطين، وكانت تعبير عن التنافس العسكري والتمدد الاستراتيجي الذي سعى المسلمون من خلاله إلى نشر الإسلام وتثبيت أقدامهم في الأراضي المجاورة للجزيرة العربية

وتميزت المعركة بالشجاعة الفائقة والتخطيط الاستراتيجي الذكي فأسهم في تحقيق انتصار مدوي للمسلمين، وفتح الأبواب أمام سلسلة من الفتوحات الإسلامية التي غيرت مسار التاريخ في المنطقة.

شاهد: بالتفصيل معركة القرضابية الحاسمة

معركة أجنادين

معركة أجنادين هي أحد المعارك الكبيرة التي دارت بين المسلمين والجيش البيزنطي وجرت أحداثها علي ارض فلسطين بالقرب من مدينة الرملة،

حيث اتخذ جيش المسلمون من قرية عجور الموجودة في شمال غرب الخليل موقع لمعسكرهم، بينما تجمعت قوات الروم في قرية بيت جبرين في انتظار وصول التعزيزات من مختلف المناطق

وكان الهدف من هذا التجمع هو تعزيز صفوف البيزنطيين والاستعداد لمواجهة المسلمين.

وكان الصحابي الجليل خالد بن سعيد بن العاص أول قائد كلفه الخليفة أبو بكر الصديق بمهمة فتح الشام، حيث أمره بالتمركز في منطقة تيماء شمال الحجاز،

محذرا إياه من الانخراط في القتال ما لم يتم مهاجمته وكانت هذه التوجيهات جزء من خطة محكمة وضعها الخليفة لضمان بقاء جيش خالد كدعم استراتيجي، ومراقب لتحركات البيزنطيين، دون أن يكون هو القوة الأولى في فتح بلاد الشام.

ومع ذلك، اضطر خالد بن سعيد للدخول في مواجهة مع البيزنطيين، الذين حشدوا عدد من القبائل العربية المحلية مثل بهراء ولخم وكلب وغسان وجذام لمساندتهم في المعركة.

ونتيجة لذلك لم يتمكن جيش خالد الصغير من الصمود أمام القوات البيزنطية المتفوقة، وتعرض لهزيمة قاسية في معركة مرج الصفر في 11 مارس 634م 4 محرم 13هـ، حيث استشهد ابنه داخلها وانسحب ببقية جيشه إلى ذي مروة، في انتظار أوامر الخليفة بشأن الخطوات التالية.

خطة أبو بكر الصديق الحربية وتجهيز أربعة جيوش لردع البيزنطيين في معركة أجنادين

عندما بلغ الخليفة أبو بكر الصديق نبأ الهزيمة، استشعر خطورة الموقف واستدعى كبار الصحابة للتشاور والتداول حول كيفية التصدي لهذا التهديد وبعد مناقشات مستفيضة،

تم الاتفاق على ضرورة الدفاع عن الدولة الإسلامية وردع البيزنطيين الذين ربما يغريهم نصرهم المباغت ويهددون استقرار الدولة الإسلامية، التي بدأت تتعافى بعد حروب الردة وتحقق انتصارات متتالية في جبهة العراق.

وقرر الخليفة تجهيز أربعة جيوش، واختار لقيادتها نخبة من أفضل قادته المتمرسين في الحروب ووزعت المهام بشكل مدروس لكل جيش بحسب موقعه وتوجهاته حسب التالي:

  • الجيش الأول: تحت قيادة المحارب أبو عبيدة بن الجراح وكان هدفه التوجه نحو حمص، ويبلغ عدد قواته 7000 مقاتل.
  • الجيش الثاني: بقيادة القائد يزيد بن أبي سفيان وكانت وجهته دمشق، وعدد قواته يصل إلى 9000 مقاتل.
  • الجيش الثالث: تولى قيادته المحارب شرحبيل بن حسنة وكان مكلف بالتوجه إلى بصرى، ويتألف من 7000 مقاتل.
  • الجيش الرابع: كان بقيادة عمرو بن العاص وكانت مهمته السيطرة على فلسطين، وجيشه يضم 7000 مقاتل.

وبالتالي إجمالي القوات المرسلة لم يتجاوز الثلاثين ألف مقاتل وقد أوصى أبو بكر الصديق القادة بالتعاون الوثيق فيما بينهم، وأكد أن القيادة العامة تكون في حال اجتماع الجيوش بأكملها تحت إمرة أبو عبيدة بن الجراح.

وصايا الصديق للقادة العسكريين في معركة أجنادين

في معركة أجنادين عندما كان الخليفة أبو بكر الصديق يخرج لتوديع أحد قادة الجيوش الأربعة، كان يحرص على تزويدهم بتوجيهات شاملة تحدد سلوك الفاتحين المسلمين وتبرز قيمهم الأخلاقية في التعامل مع سكان الأراضي الجديدة.

ومن أبرز تلك الوصايا ما جاء في توجيهاته للقائد يزيد بن أبي سفيان حيث قال: إني موصيك بعشر كلمات فاحفظها: لا تقتلوا شيخ كبير، ولا طفل صغير، ولا امرأة ولا تهدموا بيت ولا كنيسة، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا بهيمة إلا للأكل، ولا تحرقوا نخل ولا تغرقوه ولا تعص ولا تجبن.

أما في وصيته لعمرو بن العاص، فقد ركز على أهمية الاستعداد والإخلاص، وقال: اسلك طريق إيلياء حتى تصل إلى فلسطين، واحذر من التخاذل أو الشعور بالضعف، ولا تقل وضعني ابن أبي قحافة في وجه العدو ولا طاقة لي به واعلم أن معك رجال من المهاجرين والأنصار وأهل بدر فكرمهم واعترف بحقوقهم،

ولا تتعالى عليهم بسلطانك وكن كواحد منهم وشاورهم في أمرك ولا تنسي الصلاة أقمها في وقتها واحذر عدوك وأمر أصحابك بالحراسة، وكن أنت على اطلاع دائم على الأمور.

وهذه القوات التي بلغ عددها حوالي 24 ألف مقاتل نجحت في التوغل جنوب بلاد الشام، حيث خاضت معارك صغيرة مع الروم وأدرك القيصر البيزنطي التهديد الذي تشكله هذه الجيوش الإسلامية، فقام بحشد قواته الكبيرة لمواجهة المسلمين الذين لم يكن هدفهم سوى فتح تلك الأراضي ونشر العدل.

وعند رؤية حشود الروم، أرسل القادة المسلمون إلى الخليفة الصديق يطلبون المزيد من الدعم، فقام بإرسال عكرمة بن أبي جهل مع تعزيزات من الرجال، كانوا في المدينة كاحتياط لأي تطور طارئ.

ورغم الدعم، لم تتغير المواقف على الأرض بشكل جذري، وظل الوضع كما هو دون معركة حاسمة وفي تلك الفترة، كان خالد بن الوليد يحقق انتصارات متتالية في جبهة العراق، حيث سقطت الحيرة أمامه، وبدأت قوة الفرس تتهاوى تحت ضرباته المتلاحقة.

التحضير لمعركة أجنادين

بعد سقوط بصرى بيد المسلمين، شعر الإمبراطور هرقل بضرورة التحرك السريع، حيث أدرك أن السيطرة على الشام أصبحت مهددة بشكل كبير فقام بحشد جيش ضخم وجهزه بكل ما يملك من عتاد وقوة،

وأرسل جزء منه نحو بصرى لمواجهة قوات شرحبيل بن حسنة الصغيرة، بينما وجه جيش آخر نحو أجنادين في جنوب فلسطين، وضم إليه العديد من نصارى العرب والشام لدعم قوته.

في المقابل، تجمعت القوات الإسلامية عند المنطقة التي تدور فيها معركة أجنادين، وهي منطقة تبعد حوالي 11 كيلومتر عن بيت جبرين، و39 كيلومتر عن الرملة، وهي موقع استراتيجي مهم للطرق، حيث التقت الجيوش في السهول الشمالية الغربية لقرى دير الدبان وعجور وتل الصافي.

كما مر الجيش الروماني عبر الطريق الروماني القديم الذي اكتشفت بعض آثاره حديثا، قبل أن ينزل في السهول المحيطة بالبريج حتى تخوم زكريا وعجور.

أظهرت الآثار الموجودة في قرية البريج شواهد على المعركة، ومنها مقابر الصحابة الذين استشهدوا فيها، مثل موقع الشيخ جنيد وأبو البلوطات، وهما من المواقع التي اعتبرها أهل البريج مقدسة وقد أقيم مسجد واسع في البريج يعرف بالمسجد العمري، بالقرب من مكان المعركة، حيث استقر الصحابة بعد الانتصار.

بلغ عدد قوات المسلمين نحو 30 ألف مقاتل، مقابل 70 ألف جندي روماني، بينما تشير بعض الروايات إلى أن عدد جيش الروم قد وصل إلى 140 ألف مقاتل ولتغطية هذه الأعداد الهائلة من الجيوش والأسلحة والخيام، امتدت المعركة إلى مناطق زكريا وعجور ودير الدبان.

نظم خالد بن الوليد قواته بطريقة احترافية، حيث قسم الجيش إلى ميمنة بقيادة معاذ بن جبل وميسرة بقيادة سعيد بن عامر وجعل أبا عبيدة بن الجراح في قلب الجيش وسعيد بن زيد على الخيل وقد انتقل خالد بين الصفوف لتحفيز الجنود، مشجعا إياهم على الثبات والصبر.

في المقابل، اصطف الجيش الروماني بأسلوب منظم، حيث وضعوا الجنود المشاة في المقدمة يليهم سلاح الفرسان، وامتدت صفوفهم الطويلة لتضم كتائب بلغت كل منها نحو ألف مقاتل، استعدادا لمواجهة المسلمين في هذه المعركة الحاسمة.

بداية معركة أجنادين واستبسال المسلمين

في صباح يوم 27 جمادى الأولى 13 هـ، الموافق 30 يوليو 634م، بعد صلاة الفجر، أمر خالد بن الوليد جنوده بالتقدم نحو جيش الروم وكان خالد يحث كل مجموعة من جيشه قائلا: اتقوا الله،

وقاتلوا في سبيله من كفر بالله ولا تتراجعوا ولا تضعفوا أمام عدوكم، بل تقدموا بشجاعة كالأسود وأنتم أحرار وكرام لقد اخترتم الآخرة على الدنيا، فلا تخشوا كثرتهم، فإن الله سينزل عليهم عقابه وإذا رأيتموني أحمل، فاحملوا معي.

كان خالد يؤخر بدء القتال إلى وقت الظهر حين تهب الرياح، وهي الساعة التي كان يفضلها النبي صلى الله عليه وسلم لخوض المعارك وخلال ذلك، كان المسلمون يصمدون بثبات.

أعجب الروم بكثرة جنودهم وقوتهم فاندفعوا في هجومهم الأول نحو ميمنة المسلمين، حيث كان يقف معاذ بن جبل، لكن المسلمين صمدوا بلا تراجع زأعاد الروم هجومهم على الميسرة،

لكن المسلمين كانوا على نفس القدر من الثبات والشجاعة، ثم أطلق الروم سهامهم بشكل مكثف على صفوف المسلمين.

طالب قادة المسلمين خالد بن الوليد بالهجوم، خشية أن يظن الروم بضعفهم فيعيدوا الهجوم فاستجاب خالد وأمر فرسانه بالتحرك قائلا: احملوا باسم الله، فانطلقت القوات الإسلامية بهجمة قوية زلزلت أرض معركة أجنادين، حيث اخترق الفرسان والمشاة صفوف الروم، مما أحدث اضطراب شديد في صفوفهم وأضعف قوتهم.

شجاعة وتضحية في معركة أجنادين

في معركة أجنادين أظهر المسلمون شجاعة نادرة وأداء بطولي في سبيل الله، مجسدين روح الجهاد والتضحية وكان ضرار بن الأزور من بين الأبطال البارزين، حيث قاتل ببسالة، وقتل ثلاثين فارس من الروم في يوم واحد ولم تكن النساء أقل شجاعة، إذ قتلت الصحابية الجليلة أم حكيم أربعة من جنود الروم باستخدام عمود خيمتها، لتسجل بذلك موقف نادر من التضحية والفداء.

وكانت خسائر الروم في هذه المعركة ضخمة، حيث تجاوز عدد القتلى الآلاف، فيما استشهد من المسلمين 450 مجاهد وبعد انتهاء المعركة ووضوح النصر، كتب خالد بن الوليد رسالة إلى الخليفة أبي بكر الصديق يبشره بما حققه المسلمون من نصر وغنائم.

وفي رسالته، وصف خالد تفاصيل المعركة قائلا: أما بعد، فقد التقينا بأعداء الله من الروم، وواجهنا جموعهم الكبيرة في أجنادين ولقد رفعوا صلبانهم وتقاسموا أن لا يفروا حتى يهزمونا، ولكننا توكلنا على الله وتقدمنا إليهم، وواجهناهم بالسيوف والرماح حتى كتب الله لنا النصر فحينما قرأ الخليفة الرسالة، شكر الله قائلا: الحمد لله الذي نصر المسلمين وأقر عيني بذلك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى