فاطمة بنت عبد الملك،، سيدة بني أمية
فاطمة بنت عبد الملك
في يوم الجمعة، اليوم التاسع من شهر صفر في العام 99 للهجرة، كانت دمشق مدينة تكتنفها الهدوء. لا تُرى في شوارعها سوى القليل من الناس، إذ كان جلّ السكان مجتمعين حول قصر الخلافة، تبدو على وجوههم آثار الانتظار، فقد ألمّ بأمير المؤمنين سليمان بن عبد الملك مرض عنيف، اضطره للمكوث في فراشه بغرفته الخاصة. في مكان قريب، داخلة غرفة أخرى، تواجدت نساء أمراء بني أمية، يشعرن بالقلق تجاه من سيُعلن خليفةً جديدًا، وكانت كل واحدة منهن تأمل أن يُختار زوجها، ما عدا واحدة كانت تظهر الرضا والوقار، لم تبدُ متطلعة لمزيد من المجد الزائف.
كانت هذه المرأة لا تبحث عن شيء زائد، فهي فاطمة بنت عبد الملك، التي تجمع بين الجمال والأخلاق الرفيعة، زوجه عمر بن عبد العزيز، الشاب النبيل والتقي من بيوت أمية، الذي اختير ليكون الخليفة الجديد. بمجرد أن وصلها الخبر، تقدمت برفقة جمع من النسوة لتهنئة زوجها بمنصبه، ولكنه غاب لأيام عدة، وعندما ظهر كان كأنه شخص آخر، يتحمل مسؤولية كبيرة ويسأل عن رعاية كل فرد في أمة محمد صلى الله عليه وسلم. لم يعد يلمع الشباب كما كان بمظهره الأنيق وعطره المميز، بل كان مثقلًا بأمانة الخلافة التي ألقيت على عاتقه.
أعلن عمر استعداده لحياة متواضعة، مخططًا لإعادة الأموال التي تحت يديهما والتي جُمعت من مال الأمة، وسأل زوجته فاطمة إن كانت لا ترغب في العيش في ضيق بعد الرفاهية، وأبدت موافقتها على ما يرضاه قائلةً إنها ستظل بجانبه في كل الظروف. قام عمر بإعتاق الإماء والعبيد وصرف الخدم، ثم ترك القصر، معيدًا مافيه من أموال ومقتنيات إلى بيت مال المسلمين، ليقطن هو وزوجته في دار صغيرة بالقرب من المسجد النبوي.
شاهد ايضا: كيف كان النبي في بيته؟
وقد كان عمر خليفة عادلاً ومنصفاً، وكانت زوجته، ابنة الملك وأخت الملوك، تقدر قيمة الحياة الأخروية على حياة الدنيا. وبوفاته، أصيبت بالحزن العميق حتى فقدت بصرها من شدة البكاء. حينما زارها أخوها يزيد، حاملاً حليها التي ردها زوجها إلى بيت المال، رفضت أن تأخذها، إذ قالت إنها لن تعصي زوجها حيًا ولا تخالف وصاياه بعد مماته، وأظهرت عزمًا ورضىً بحياتها دونها.