إسبانيا .. لماذا 70% من مساحتها فارغة؟
إسبانيا يبلغ عدد السكان هنا حوالي 47 مليون نسمة ويزيد اقتصادها عن 1.2 تريليون دولار أمريكي. من أكثر دول العالم تطورا وثراء ومساحة أيضا، إذ تبلغ مساحتها أربعة أضعاف مساحة إنجلترا.
ومع ذلك، تشير الإحصائيات أن عدد سكان إنجلترا يفوق عدد سكان اسبانيا بمقدار 9 مليون نسمة.
تشير الإحصاءات الديموغرافية إلى قلة عدد السكان في مساحات شاسعة من اسبانيا، حيث أن حوالي 70% من البلاد فارغ تقريبا.
يسكن حوالي ثلاثين بالمئة من الإسبانيين في مدريد والمدن الكبرى على السواحل.
وأما في المساحات الذي تتوسط تلك المناطق فهي خالية تقريبا من الناس مثل منطقة سيرانيا كالتيبريكا والتي تمتد عبر المقاطعات الداخلية لاسبانيا.
لماذا 70% من إسبانيا خال من السكان؟
السبب الرئيسي الأول هو طبيعتها الجبلية.
النظام الايبيري في اسبانيا سلسلة جبال ممتدة عبر وسط اسبانيا، سيرانيا كالتيبريكا متوسطة الارتفاع شديدة الانحدار غير مناسبة للسكن، ولذا نجد أن المناطق المحيطة بالجبل مثل مدريد وفالنسيا وسرقسطة وبلباو مأهولة بالسكان.
أما سيرانيا كالتيبريكا فيمر نظام الايبيري منها، لذا هي ليست مناسبة للسكن.
إلى جانب النظام الايبيري الجبلي هناك سلسلة جبال كانتابريا في الشمال الغربي جبال البيرينيه على طول الحدود مع فرنسا.
نظام الجبال المركزي عبر وسط اسبانيا ونظام باتيك الجبلي.
ليست الجبال وحدها المؤثر الرئيسي، بل ساهمت سياسات الحكومة المركزية في إسبانيا وعلى مر الزمان في نصف الكثافة السكانية في أرياف اسبانيا.
مع بدء الحرب الإسبانية الأهلية في الثلاثينيات، ومع تولي فرانسيسكو فرانكو السلطة، بدأت الحرب بين الجمهوريين والقوميين عام 1936، واستمرت لمدة ثلاث سنوات كانت عنيفة وأسفر عنها مقتل نصف مليون شخص في اسبانيا.
وهنا فقدت المناطق الريفية في إسبانيا 28% من تعدادها السكاني.
انتصر فرانكو وأسس ديكتاتوريته الخاصة واستمر حكمه القاسي لمدة ثلاثين عاما حتى توفي خلال تلك السنوات.
أصبحت اسبانيا دولة منبوذة عانت من ركود اقتصاديا ونزوح جماعي. لم ينتهي الأمر هناك في عام 1959 بدأت الخطة التأسيسية الإصلاحية لإسبانيا، وجاء الاستثمار الأجنبي إلى المناطق الصناعية في المنطقة، وازدهر الساحل الشمالي لبرشلونة ومدريد، وضج بالفرص الوظيفية والتنموية التي جذبت ملايين الشباب من الأرياف، ما جعل الأرياف تفقد سكانها أكثر وأكثر.
أما السبب الثاني النمو الاقتصادي
وعام 1966 أصبحت إسبانيا ثاني أسرع الدول الاقتصادية نموا في العالم، وبلغت من التقدم ما أعاد العديد من المهاجرين إليها. واستقر هؤلاء في المناطق الصناعية الجديدة.
اليوم أكثر من 15% من السكان الإسبانيين مقيمون، أي ولدوا خارج إسبانيا وليسوا سكانها الأصليين، لكنهم مستقلون في مدنها الصناعية.
ولهذا السبب تضاعف عدد السكان في المناطق الصناعية في إسبانيا بين 1900 و2000.
أما الأرياف الكثيرة فأصبحت مهملة.
أما السبب الثالث فهو انخفاض معدل الخصوبة.
في الآونة الأخيرة انخفض معدل الخصوبة في إسبانيا، حيث تشير الإحصائيات أن زيادة عدد السكان لم تتعدى نسبة 0.12% بين عامي 2011 و2021.
والسبب في ذلك هو افتقار إسبانيا إلى سياسات دعم تكوين أسرة، لذا لا يتشجع الاستشاريون عموما لفكرة الإنجاب. وحتى اليوم يلعب الفرق بين البنية التحتية في أرياف إسبانيا ومناطقها الصناعية دورا قويا في جعل تلك المجتمعات الريفية أقل جاذبية للعيش، والحل غالبا بين أيدي الحكومة الإسبانية، فهي الوحيدة القادرة على إعادة إحياء تلك 70% من إسبانيا.
